السبت، 5 ديسمبر 2015

مكانة المرأة

مكانة المرأة



يزخر تاريخ البشرية بظلم لا حدود له، مارسه الحكام المستبدون والطغاة بحق المحرومين والمظلومين من بني الانسان. وإن المظلومين هم الذين كانوا ينتفضون بين برهة واخرى، استجابة لدعوة عبد صالح من ذرية الانبياء والصالحين، ضد عروش الظلم فيستنشق الناس نسيم العدالة بفضل تضحياتهم ومعاناتهم.
بيد أن رائحة التفرعن والاستكبار النتنة ما تفتأ أن تعود ثانية -عاجلاً أو آجلاً- بمساعدة المال والقوة والخداع، لتبدد عبير العدالة وتزكم أُنوف طلاب الحق والحقيقة.
عبر هذا الواقع المرير، واضافة الى نصيبها من هذا الظلم التاريخي، ابتليت "المرأة" -بوصفها نصف المجتمع البشري- بظلم مضاعف يطول شرحه؛ يضاهي الظلم الذي تعرضت له البشرية جمعاء. فالمرأة بوصفها "زوجة"، كانت شريكة الرجل في همومه ومعاناته، ودرعه في البلايا، بل كان ينبغي لها أن تتحمل اعباء المسؤولية في الكثير من الاحيان بمفردها؛ خاصة عندما كان ظلم الطغاة والمحن تودي بحياة زوجها.
وفضلاً عن ذلك كلّه، لم تكن المرأة تحظى بشأن أو مكانة تستحق التقدير؛ سواء كانت فتاة في بيت أبيها، أو زوجة إلى جنب زوجها، أو أُختاً في علاقتها مع إخوتها، وعموماً كامرأة في مقابل الرجل؛ إذ عالباً ما كان يتمّ تجاهلها واعتبارها عنصراً ضعيفاً، وحقيراً، ومشؤوماً؛ أو في أحسن الاحوال كائناً يثير العطف والشفقة.
ورغم أن هذا التمييز (بين المرأة والرجل) كان يتباين في الشدة والضعف من مجتمع لآخر، وثقافة وأخرى، وعلى مرّ التاريخ ايضاً؛ إلاّ أنه -مع الأسف- ليس
بالإمكان إنكار وجوده واستمراريته، وقد اتخذ في كل مرحلة وبرهة لوناً وصبغة خاصة ليس هنا مجال الخوض فيها.
فكما نعلم، أن عرب الجاهلية كانوا يرون في "وأد البنات" سبيلاً لا نقاذ الأُسرة من شرّ البنات. وفيما عدا فترة صدر الاسلام الوجيزة التي استعادت فيها المرأة كرامتهاو مكانتها الحقيقية -الى حدّ ما- بوحي من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، تراجعت مكانة المرأة ومنزلتها ثانية مع تطورات الحياة التي تزامنت مع إحياء التقاليد والنظم السابقة في صبغة الخلافة الإسلامية.
وبالتدريج وبمرور الزمن، أوجدت التصورات المتخلفة عن الإسلام قيوداً جديدة على النساء ح بقيت آثارها حتى العقود الأخيرة في أوساط التقليديين والمستنسّكين المتحجرين.
في مثل هذه الظروف، اتخذ الاستعمار وعملاؤه الذين كانوا يبحثون بوحي من نزعتهم التسلطية، عن سبل وأساليب مناسبة للنفوذ والتغلغل الثقافي والسياسي إلى مجتمعنا؛ اتخذوا من مكانة المرأة ذريعة لإشاعة ثقافة العُري والتحلل الخُلقي تحت لافتة الحرية والمساواة.
وفي هذا المجال لم يتوانوا عن استخدام أفضغ اساليب الاستبداد وأكثرها وحشية لفرض السفور ومطاردة النساء المحجبات، كما حصل أيام (رضا خان)(بعد الحركة الدستورية -المشروطة- ومنذ منتصف عام 1306 هجري شمسي بالتحديد، كان يدور في بعض المحافل المقرَّبة من رضا خانن كلام عن السفور الإجباري. ومع إطلالة العام الايراني الجديد 1307هـ.ش، ظهرت زوجة رضا خان وابنتاه سافرات أمام أنظار العامة. نُفِّذ قانون "السفور" لأول مرة في 17دي1314هـ.ش بعد عودة رضا خان من تركيا (1313هـ.ش)؛ حيث شارك رضا خان برفقة زوجته وبنتيه في حفل افتتاح معهد الفنون التمهيدية، الذي حضره أيضاً الوزارء ورجال الدولة برفقة أزواجهم. وكانت النساء سافرات جميعاً. وفي هذا الحفل خاطب رضا خان النساء بقوله: "اننا حطمنا قضبان السجن. وينبغي الآن لاولئك اللاتي تحررن من سجنهن أن يشيّدن بيتاً جميلاً بدلاً من القفص".
أثار تصرف رضا خان هذا موجة عارمة من السخط والاعتراض بين أوساط علماء الدين وأبناء الشعب، قابلها أعوان رضا خان بارتكاب مجازر وحشية في العديد من مدن البلاد المهمة بما فيها طهران وقم ومشهد، لسحق المعترضين.).
وفي عهد محمد رضا(محمد رضا بهلوي، شاه ايران السابق، الذي فرّ من البلاد في 16/1/1979، بإيحاء من الحكومة الاميركية، بعد تصاعد أحداث الثورة الاسلامية وبلوغها ذروتها.
نُصِّب محمد رضا بهلوي ملكاً على ايران في 25شهر يور 1320هـ.ش بعد إقالة أبيه ونفيه من قبل الحلفاء. واستمر حكمه 37عاماً حتى عام 1357(1978م). مثّلت فترة حكمه سيادة الاستعمار البريطاني، ثم السيادة المطلقة
للإمبريالية الاميركية التي نهبت ثروات ايران المادّية والمعنوية.) الذي خلف أباه، اتَّخذَتْ هذه الاساليب ظاهراً لا مخادعاً وماكراً، إذ راحت أدبيات النظام الشاه شاهي (الملكي) تحاول ذلك تحت شعار "المرأة رقّة وجمال". ففي منطق الشاه، تتمثل رسالة المرأة العصرية المتحررة من قيود الدين، في الاهتمام بمظهرها وجمالها، ولابد من إزالة جميع العقبات التي تعيق
تحقيق هذه الرسالة.
وبهذا النحو تمّ جرّ ليس النساء وحدهنّ، بل النصف الآخر من المجتمع -الرجال- أيضاً إلى قيد "المرأة رقّة وجمال" المؤلم. وقد شهدنا كيف استبدلت الساحات العامة والمتنزهات وأماكن الترفيه والمسابح و(البلاجات) الى ميادين لترجمة هذه السياسة الشاهنشاهية عملياً، وتحولت إلى بؤر للفساد والفسق والفجور وتخدير جيل الشباب؛ اضافة إلى الملاهي والمراقص والمحافل والملتقيات الرسمية وغير الرسمية.
ان نظرية "المرأة تعني الرقة والجمال" ما هي إلاّ نسخة مستعارة من صور المرأة في المجتمع الغربي. ومن المؤسف أنّ كرامة المرأة وشخصيتها الواقعية كانت قد نحرت في النسخة الاصلية ايضاً على مذبح الفلسفة الغربية المادية على طريق تحقيق "المنفعة واللذة" معبودَي الانسان الغربي وهدفه، وبذلك أمست المرأة في الحضارة الغربية في خدمة الدعاية والاعلان أو في خدمة الجنس وبيع جسدها بأرخص الأثمان. وفي كلتا الحالين تمارس دورها بأمر "الحاكم" كوسيلة للمتعة في خدمة السلطة.
اذا ما أخدنا بنظر الاعتبار الملاحظات المذكورة آنفاً، سيتضح لنا -بنحو أفضل- شموخ فكر الإمام الخميني الراحل وعظمة غنجازه وسطوعه، في إحياء هوية المرأة المسلمة الأصلية.
كان الإمام الراحل قد شهد بنفسه -عن كثب- التصورات المتحجرة التي ترى في المرأة كائناً "ضعيفاً" و "حريماً" ينبغي الإقفال عليه بعيداً عن الانظار.
ومن جهة اخرى كان سماحته قد أدرك جيداً بفطنته الباهرة، الدور الذي تؤديه "المرأة" التي يريدها الشاه والاستعمار، في إفساد المجتمعات الاسلامية وانحطاطها، وفقدانها لهويتها، ويأسها وضياعها.
ومن موقعه كمرجعٍ منفتح ومناضل، وباستقائه من الكوثر الزلال لمعارف الإسلام الاصيل، وتأمله الاجتهادي العميق في السنة النبوية الشريفة وتعاليم الأئمة الاطهار(عليهم السلام)، آمن الامام(قدس سره) بدور المرأة، والمسؤولية الملقاة على عاتقها، بنحو تجلّى بوضوح في الثورة الإسلامية بإحياء هوية المرأة المسلمة.
ان هذا الفهم الواعي والعميق لدور المرأة المسلمة ومسؤولياتها، هو الذي دفع النساء الإيرانيات الى خوض معترك الصراع، والمشاركة الواسعة في أحداث الثورة، رغم كل الجهود والمساعي التي بذلتها أجهزة الدعاية الاستعمارية، ورغم التقاليد المتحجرة التي اتخذت صبغة التمسك بالإسلام ذريعة لها. وكانت مشاركة

في فكر الامام الخميني

له تابع لا حقا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق